القسم السادس
المسيح ومحمد نبيَّان لعالمٍ ضال
الفصل الأول
نبوَّة محمد
رأينا في الفصل السابق أن الله يطالب بشاهدَين لإقرار قانونية أمر من الأمور، وأنه يطالب بشاهدَين على الأقل لإقرار صحة نبوَّة النبي وقلنا إنه لو وقف رجل في أورشليم القدس أو مكة أو أية مدينة أخرى ينادي أن أقواله وحي من عند الله، فإننا يجب أن نسأله: (كيف نتأكد أن ما تقوله هو من عند الله؟ مَن هو الشاهد الثاني على صِدق رسالتك؟)
وقد يتضايق البعض مِن توجيه هذا السؤال للنبي، لأنه يعني أننا نشكّ في صدق نبوّته، وكأننا نقول له: (نحن لا نصدقك) وهذا الضيق هو ما يشعر به المسيحي لما يُقال له إن إنجيله قد تحرّف ولكن مهما كانت المشاعر فإننا يجب أن نسأل المسيحيين والمسلمين: (هاتوا برهانكم من هم الشهود على أن كلمات الإنجيل التي قالها المسيح هي من عند الله؟ ومن هم الشهود على أن كلمات القرآن التي قالها محمد هي من عند الله؟).
كيف نعرف أن ما قاله محمد عن اليوم الآخِر هو وحيٌ يوحى؟ إن محمداً هو الشاهد الوحيد إنه الشاهد الأول.
شاهدٌ ثانٍ
عندما سألتُ إن كان أحدٌ قد سمع الملاك يكلم محمداً (ما عدا محمد نفسه) أجاب الجميع أن محمداً هو الشاهد الوحيد، إلا في مرة واحدة ورد ذكرها في (الأربعون النووية) الحديث الثاني (ورواه مسلم أيضاً) عن عمر، قال إن رجلاً لا يعرفه أحد منّا جلس إلى النبي فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفّيه على فخذيه، وقال (يا محمد، أخبرني عن الإسلام) ثم سأله عن الإيمان، وعن الإحسان، وعن الساعة ومحمد يجيب ثم انطلق فسأل محمد عمر (يا عمر، أتدري من السائل؟) أجاب (الله ورسوله أعلم) قال: (فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم).
وربما كان قول محمد صحيحاً، ولكننا نحتاج إلى شهادة شاهد ثانٍ يؤيد شهادة محمد، فإنه وحده هو الذي قال إن الزائر كان جبريل كما أن هذا الحديث حديث آحاد، رواه راوٍ واحد.
وفي الوقت نفسه نعلم أن النبي وحده هو الذي كان يسمع صوت الله أو ملاكه، فلم تسجّل لنا التوراة أن أحداً سمع صوت الله الذي سمعه النبي إشعياء أو النبي إرميا كما أن القرآن لا يسجل لنا أن أحداً سمع صوت الله يحدّث هوداً أو صالحاً ولكن يوجد استثناءان فقط لهذه القاعدة: هما موسى والمسيح.
فمن جبل سيناء حدَّث الله موسى وكل بني إسرائيل، فخاف الشعب جداً وطلبوا ألّا يعود الله يكلمهم، فوعدهم الله أن يقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثل موسى (تثنية 18:15 و18).
وأثناء حياة المسيح تكلم الله علانية ثلاث مرات كشاهدٍ ثانٍ على صدق نبوّة المسيح، أولها عندما كان يوحنا المعمدان يعمّد المسيح، فيقول في لوقا 3:21 و22 (وَلَمَّا اعْتَمَدَ جَمِيعُ الشَّعْبِ اعْتَمَدَ يَسُوعُ أَيْضاً وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي انْفَتَحَتِ السَّمَاءُ، وَنَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ مِثْلِ حَمَامَةٍ وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: (أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ، بِكَ سُرِرْتُ!).
وواضح أن المعمدان والشعب الموجود سمعوا الصوت.
وفي المرة الثانية جاء الصوت في حضور ثلاثة تلاميذ هم بطرس ويعقوب ويوحنا، لما أخذهم المسيح إلى جبلٍ عالٍ وتجلّى أمامهم، ولمعت ثيابه، وجاء موسى وإيليا إلى الجبل (وكانا قد ماتا منذ أكثر من 900 سنة) ويقول الإنجيل في مرقس 9:7 و8: (وَكَانَتْ سَحَابَةٌ تُظَلِّلُهُمْ فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلاً: هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ لَهُ اسْمَعُوا فَنَظَرُوا حَوْلَهُمْ بَغْتَةً وَلَمْ يَرَوْا أَحَداً غَيْرَ يَسُوعَ وَحْدَهُ مَعَهُمْ)
أما المناسبة الثالثة فقد سجلها يوحنا، وحدثت أمام جمهور من الناس يقول في يوحنا 12:28-30 (قال المسيح): (أَيُّهَا الْآبُ مَجِّدِ اسْمَكَ) فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ: (مَجَّدْتُ، وَأُمَجِّدُ أَيْضاً) فَالْجَمْعُ الَّذِي كَانَ وَاقِفاً وَسَمِعَ، قَالَ: (قَدْ حَدَثَ رَعْدٌ) وَآخَرُونَ قَالُوا: (قَدْ كَلَّمَهُ مَلَاكٌ) أَجَابَ يَسُوعُ: (لَيْسَ مِنْ أَجْلِي صَارَ هذَا الصَّوْتُ، بَلْ مِنْ أَجْلِكُمْ)
على أن معظم الأنبياء لم يتأيدوا بمثل هذا الإعلان السماوي، فكان لا بد من طريقة أخرى لوجود شاهد ثانٍ على صدق إرسالية النبي وقد استخدم الله ثلاث طرق:
أولاً: يعطي الله النبي معجزات ليؤيد نبوته
ثانياً: تتحقق نبوات الأنبياء السابقين في النبي الجديد
ثالثا: تتحقق نبوات النبي نفسه، فيؤيد الله صدق نبوته
فلنفحص الآن هذه الطرق الثلاث:
أولاً: المعجزات كشاهدٍ ثانٍ
يشهد القرآن والتوراة أن الله أيَّد إرسالية موسى بالمعجزات وتتحدث التوراة عن معجزات أجراها الله على يدي أنبياء آخرين مثل إيليا وأليشع ويشهد القرآن والإنجيل للمعجزات التي أيَّدت إرسالية المسيح فلم يكن غريباً من أهل مكة أن يطالبوا محمداً أن يُجري لهم معجزة، كشاهدٍ ثانٍ لصدق إرساليته ويقول القرآن إن محمداً أُمر أن يقول إنه نذير ففي سورة الرعد 13:4 و7 ، بعد ذكر السماوات والشمس والقمر، والأرض والجبال والأنهار والجنات والفواكه والأعناب والنخيل كآيات، يقول (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ... وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) ويكرر الفكرة نفسها في آية 27 (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ)
ولا ننكر أن هناك دوماً من يكفرون فبعد أن أطعم المسيح خمسة آلاف من خمس خبزات وسمكتين قال إنه خبز الحياة النازل من السماء الواهب حياةً للعالم، فسأله اليهود: (فَأَيَّةَ آيَةٍ تَصْنَعُ لِنَرَى وَنُؤْمِنَ بِكَ؟ مَاذَا تَعْمَلُ؟) (يوحنا 6:30)
ولكن هناك دوماً فريقان: قُساة القلوب الذين يبقون في كفرهم مهما فعل الله، وفريق المؤمنين الذين يريدون أن يعرفوا إرادة الله ليعملوها، فينتظرون كلمة الشاهد الثاني لتؤيد أن الرسالة هي من عند الله.
ويذكر القرآن (كشاهدٍ ثانٍ) آيات من الطبيعة تظهر قوة الخالق وعظمته، ولكنها لا تبرهن أن المتكلم بها هو نبي صادق وقد كتب د بوكاي كتابين عن آيات الله في الخلق، ذكر في أحدهما آياتٍ لم يرد ذكرها في القرآن ولكن هذا لا يجعل من د بوكاي نبياً!
فهل هناك معجزات يذكرها المسلمون كشاهد ثانٍ؟ يذكر البعضُ الإسراء فقد جاء في سورة الإسراء الآية الأولى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) ويعتقد معظم المفسرين أن الإسراء كان بالجسد، ولو أن قليلين يعتقدون (ومنهم حميد الله) أن الإسراء كان مجرد رؤيا في المنام ويعتقد الجميع أن المسجد الأقصى هو في أورشليم القدس، إلا حميد الله الذي قال إنه في السماء وقد جاءتنا كل المعلومات عن الإسراء من الحديث وما قاله القرآن يترك لنا شاهداً واحداً يشهد لحدوث الإسراء، فمحمد هو الذي اختبر الإسراء، وهو الذي رواه وقد تساءل كفار مكة: (لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (العنكبوت 29:50 و51)
ولكن هذه الآية تجاوب سؤالاً بسؤال! فقد طلب منا القرآن أن نصدّق على أمرٍ بناءً على شهادة شاهدين، ولكنه يقول هنا إن كلمات النبي هي الشاهد الثاني، وهذا غير ممكن، فليس النبي وكلمته منفصلين إنهما واحد، وهما بمثابة شاهد واحد!
فلنفترض أني أقول لك إن القمر مصنوع من الزبد، فستقول لي: (هذا ما لم يقُله علماء الفلك فكيف تبرهن كلامك؟) عندها آخذ ورقة أكتب عليها إن القمر مصنوع من الزبد، ثم أقول لك: (هذه الورقة تقول إن القمر مصنوع من الزبد) ستضحك منّي، لأن كلامي الشفاهي هو نفسه كلامي المكتوب كلاهما شاهد واحد وستقول لي: (والآن هات شاهدك الثاني، فلن يشهد ما كتبتَه لما قلتَه!)
وتقول سورة العنكبوت 29:52 (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) فهو يعيدهم إلى آية السماء والأرض التي تبرهن وجود الخالق، ولكنها لا تبرهن أن محمداً رسوله ولا زلنا نسأل: أين المعجزة المؤيدة للرسول؟ أين الشاهد الثاني الذي يؤكد أن إرساليته هي من عند الله؟
ثانياً: نبوَّات كتابية عن محمد
هناك حديث أشرنا إليه من قبل، يقول إن عطا بن يسار سأل عبد الله بن عمرو بن العاص أن يخبره بوصف رسول الله كما جاء في التوراة، فأكد عبد الله أنه موصوف في التوراة بما وُصف به في القرآن (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشرا ونذيراً) (سورة العنكبوت 45) ثم قال عبد الله إن التوراة تقول: (أنت عبدي ورسولي، سمَّيتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخَّاب في الأسواق لا يجزي بالسيئة، لكن يغفر ويصفح، ولن يأخذه الله حتى يقيم به الملّة العوجاء، ويفتح به أعيناً عميا وآذاناً صُمّاً وقلوباً غُلفاً) (حديث رواه البخاري والدارمي)
وقد جاءت نبوة التوراة المشار إليها هنا في نبوة إشعياء 42:1-3 و6 و7 (عام 700 ق م) (هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلْأُمَمِ لَا يَصِيحُ وَلَا يَرْفَعُ وَلَا يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لَا يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لَا يُطْفِئُ أَنَا الرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ بِالْبِرِّ، فَأُمْسِكُ بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْداً لِلشَّعْبِ وَنُوراً لِلْأُمَمِ، لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ، لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأْسُورِينَ، مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ)
هنا حديث صحيح لأنه مؤيَّد من اثنين، فعندنا الحديث الإسلامي، وعندنا أصله التوراتي من نبوَّة إشعياء وهذه الشهادة الثنائية هي صفة عشرات النبوات التوراتية عن المسيح وقد اقتبس الإنجيل نبوة إشعياء، وقال إنها تحققت في المسيح، فنقرأ في متى 12:15-18 (وَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ فَشَفَاهُمْ جَمِيعاً وَأَوْصَاهُمْ أَنْ لَا يُظْهِرُوهُ، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ: هُوَذَا فَتَايَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ، حَبِيبِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ الْأُمَمَ بِالْحَقِّ) ثم يمضي الإنجيل ليقول في الآية 22 إن المسيح شفى مجنوناً أعمى وأخرس، فبُهت الناس وتساءلوا: (ألعل هذا هو المسيح ابن داود؟)
وسواء كانت نبوة إشعياء خاصة بالمسيح أو بمحمد، فإننا نترك هذا للقارئ ولكن لما كان للحديث الإسلامي السالف شاهدان، فلا بد أن يكون صحيحاً، فإن واحداً من المسلمين اقتبس نبوة إشعياء على أنها صحيحة.
هل البارقليط نبوة عن محمد (أو أحمد)؟
في المقارنة بين الكتاب المقدس والقرآن استفاض د بوكاي (ص 125 - 129) في معالجة إنجيل يوحنا أصحاحات 14-16 التي تتحدث عن مجيء البارقليط ولم تحظَ أية آيات كتابية أخرى من د بوكاي بمثل هذه الاستفاضة إلا سلسلة النسب، وتكوين 1
وفي هذه الصفحات الخمس، وبعد أن يقول د بوكاي إنه اقتبس كل الآيات المتصلة بالموضوع، يقدم ستة انتقادات على صدق هذا النص الإنجيلي، فيقول إن بعض الحقائق قد غابت من الإنجيل، وإن بعض الكلمات قد أُضيفت، وإن الكلمات اليونانية استُخدمت بطريقة خاطئة، وإن معظم الترجمات للنص الأصلي خاطئة وهذه انتقادات خطيرة قدَّمها د بوكاي بمهارة حتى تحسب أنها مستندة إلى دراسات علمية صحيحة ولذلك سندرس هذه الانتقادات الستة، ونضيف إليها ادّعاءً سابعاً باطلاً.
1. خطأ في تهجئة كلمة بارقليط
يؤمن المسيحيون أن كلمة (بارقليط) (في اليونانية Paracletos) تشير إلى روح الله القدوس الذي يسكن في كل مؤمن ليعينه لينتصر على الخطية وهو بالطبع ليس الملاك جبريل ولكن علماء المسلمين قالوا إن هذه نبوَّة خاصة بمحمد، لأن سورة الصف 61:6 تقول: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ)
والاسم أحمد (الأكثر حمداً) ومحمد (المحمود) يجيئان من نفس جذر كلمة (حمد) ولذلك يعتقد المسلمون أن هذه نبوة قالها المسيح عن مجيء محمد وقاموا بدراسات مفصَّلة في هذا عبر السنين وقال عبد الله يوسف علي (مترجم القرآن إلى الإنكليزية) تعليقاً على سورة الصف 6 (أحمد أو محمد، أي المحمود هي ترجمة تقريبية للكلمة اليونانية Paraclytos . وفي إنجيل يوحنا الحالي 14:16 و15:26 و16:7 نجد كلمة (المعزي) ترجمة لكلمة Paracletos ويعتقد علماؤنا أن كلمة Paracletos قراءة محرّفة لكلمة Paraclytos أن في كلمات المسيح الأصلية نبوَّة بالإسم عن نبينا أحمد)
ولنا على هذا ثلاثة تعليقات:
معروف أن التشكيل في اللغة اليونانية يجيء كجزءٍ من كتابة الكلمة نفسها، فليس في اليونانية فتحة وكسرة، وعليه فإن تغيير كلمة Paraclytos لتصبح Paracletos يعني تغيير ثلاثة حروف موجودة في أصل الكلمة.
لا يوجد أي برهان على حدوث تغيير في القراءة الأصلية، فكل مخطوطة عندنا لإنجيل يوحنا، من أقدم مخطوطة ترجع إلى عام 200م وإلى يومنا هذا نجد القراءة Paracletos. وإذا تأملت صورة 7 (وهي للبردية P وتعود إلى عام 200م) سترى يوحنا 14:9-26 وقد جاءت الكلمة الأخيرة في الصفحة باليونانية Paracletos (وهي من آية 26) أما آية 16 فقد تلفت جزئياً، ولكن في منتصف السطر (وقد أشرنا إلى ذلك بسهمين) ترى Paracl. ففي الحالة الأولى ترى الكلمة كاملة وفي الحالة الثانية ترى حرفين من الثلاثة يبرهنان صحة القراءة الحالية.
لقد ذكر هوميروس (الشاعر الإغريقي القديم) كلمة Paraclytos (ومعناها مشهور أو معروف) في كتابه الإلياذة والأوديسا باليونانية الفصحي في القرن العاشر ق م ولكن هذه الكلمة لم ترد أبداً بأي صورة من الصور في العهد الجديد، ولا في ترجمة التوراة لليونانية المعروفة بالسبعينية وعليه فلا يوجد أي برهان لغوي أو نصّي يساند القراءة Paraclytos.
2. تعليقات لا معقولة:
نلاحظ اللامعقولية في تعليقات د بوكاي المبدئية، كما نلاحظها في الآيات المبتورة التي اقتبسها من إنجيل يوحنا ونناقش هنا هاتين النقطتين:
أ. ملاحظات د بوكاي المبدئية:
وضع د بوكاي تعليقاته على كلمة Paraclet تحت عنوان رئيسي هو (تناقضات وأمور غير معقولة في الروايات) وهو بذلك يوحي لقارئه أن يفترض وجود التناقضات واللامعقول في ما سيقرأه ثم يقول (تلك الرواية التي لا نجد لها أثراً في الأناجيل الأخرى (مع أنها) تعالج مسائل أساسية وآفاق مستقبل ذات أهمية بالغة) (ص 125) ثم يصل د بوكاي إلى سؤالين انتقاديين:
(هل كان النص موجوداً أولاً عند البشيرين الثلاثة الأوَّلين؟ ألم يُحذَف فيما بعد؟)
وبدون أن يورد دليلاً واحداً على الحذف، يسارع بإضافة سؤال آخر:
(ولماذا؟)
وهكذا بدون حقائق، وبغير براهين على الاتهام، يختلق تناقضاً ويدَّعي أن المسيحيين حذفوا من الإنجيل!
ثم يقول: (ولنقُل فوراً إنه لا يمكن الإتيان بأية إجابة فاللغز مستغلَقٌ تماماً!)
وفجأة، وبدون برهان ولا وجه حقّ يواجهنا د بوكاي بأننا أمام لغزٍ لاحظ أني لم أقُل (بدون قوة) بل قلتُ (بدون حق) فهناك كلمات قوية تؤثر في مستمعها، ولكنها بلا حق، لعدم وجود برهان يساندها عن مثل هذه الكلمات الجوفاء قال المسيح (كُلُّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَاباً يَوْمَ الدِّينِ) (متى 12:36)
لقد أخطأ د بوكاي في قوله إن هذه الحقيقة ذات (الأهمية البالغة) وردت في إنجيل واحد، رغم أن البشير لوقا (بغير أن يذكر كلمة Paraclete) يخبرنا عن وعد المسيح لتلاميذه بحلول الروح القدس، ثم تحقيق الوعد في سفر الأعمال أصحاحي 1و2
يبدو أن د بوكاي يظن أن الله القادر على كل شيء لا بد أن يكلّف أكثر من كاتب ليدوّن الحادثة الواحدة وهو يتغافل عن أن القرآن كله جاء من خلال نبي الإسلام وحده، كما أنه يتغافل أن قصصاً كثيرة لم ترد في القرآن إلا مرة واحدة، كقصة أهل الكهف مثلاً حتى ما جاء في القرآن عن (أحمد) ورد مرة واحدة! فهل نقول إن في هذا لغزاً مستغلقاً؟ من يقبل منطق د بوكاي هذا؟
ولو تعاملنا بمنطق د بوكاي، سنقول: إن الحقيقة التي وردت في أكثر من إنجيل لا بد وأن تكون صادقة لقد وردت قصة الصليب لفداء البشر وغفران خطاياهم، وقيامة المسيح الظافرة من القبر، في كل الأناجيل بالإضافة إلى كتابات الرسول بولس! وهذه شهادة في غاية القوة على حقيقة موت المسيح الكفاري وقيامته المجيدة.
ب. الآيات الإنجيلية التي اقتبسها د بوكاي:
ا
قتبس د بوكاي الآيات التالية عن البارقليط (ص 125 و126):
(إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ، وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الْآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً (بارقليط) آخَرَ) (يوحنا 14: 15 و16)
(وَأَمَّا الْمُعَزِّي (البارقليط) الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الْآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ) (يوحنا 14:26)
(فَهُوَ يَشْهَدُ لِي) (يوحنا 15:26)
(خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لَا يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي (البارقليط) وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ)
(وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لِأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ ذَاكَ يُمَجِّدُنِي ). يوحنا 16:7 و8 و13 و14
ويختم د بوكاي اقتباسه هذه الآيات بقوله: (ويُلاحظ أن الفقرات التي لم تُذكر هنا من الأصحاحات 14-16 من إنجيل يوحنا لا تغير مطلقاً من المعنى العام للفقرات المذكورة) (ص 126)
3. النص صحيح
يقول د بوكاي: (إن وجود كلمتي الروح القدس في النص الذي نملكه اليوم قد يكون نابعاً من إضافة لاحقة إرادية تماماً، تهدف إلى تعديل المعنى الأول لفقرة تتناقض، بإعلانها بمجيء نبي بعد المسيح، مع تعاليم الكنيسة المسيحية الوليدة، التي أرادت أن يكون المسيح هو خاتم الأنبياء) (ص 129)
ويقول أيضاً (إن أي نقد جاد للنصوص يبدأ بالبحث عن الاختلافات النصية) وهو يقصد بذلك أن يقول إن التعبير (الروح القدس) قد أُدخِل إلى النص في ما بعد ولقد ناقشنا هذه النقطة في فصل 3 من القسم الثالث، ووصلنا إلى وجود أخطاء من بعض النسّاخ، تمَّ اكتشافها من مقارنة المخطوطات.
فهل هناك اختلاف في قراءة يوحنا 14:26؟ نعم هناك اختلاف واحد، وذلك في الترجمة إلى السريانية في القرن الرابع أو الخامس الميلادي، لأنها تحذف الصفة، وتكتفي بكلمة (الروح) فقد جاءت بها قراءة الآية (وأما المعزي، الروح، الذي سيرسله الآب باسمي) فما هو وزن هذا الاختلاف في الترجمة؟ لقد كتب يوحنا إنجيله باليونانية فإذا فحصنا البرديات اليونانية القديمة بين عامي 200 و400م لوجدنا القراءة (الروح القدس) وهكذا جاءت في النسخة السينائية والفاتيكانية (350م) والإسكندرية (450م) هذا يشبه وجود اختلاف في ترجمة القرآن إلى الفارسية قامت به لجنة عام 345 ه، لا زلنا نجد منها نسخاً إلى يومنا هذا فما هي قيمة هذا الاختلاف الوارد في ترجمة القرآن للفارسية؟! أنه لا يؤثر على عقيدة ولا على شريعة ولا على ممارسة دينية إنه مجرد خطأ مترجم أو ناسخ.
ويوافق د بوكاي على إمكانية وقوع خطأ من النساخ، فيسأل:
(فهل هذا مجرد نسيان من قِبَل الناسخ؟) ولكنه أراد أن يقول إن الناسخ تعمَّد الخطأ، فمضى يقول (أو أنه لم يجرؤ على كتابة ما بدا له أنه أمر غير معقول في مواجهة نص يدّعي أن الروح القدس يسمع ويتكلم؟)
ولكن الكتاب المقدس والقرآن مليئان بالقول إن الله يتكلم ويسمع فلماذا يرفض د بوكاي أن الروح القدس يتكلم ويسمع؟
4. الله يسمع ويتكلم
قال د بوكاي (يبدو أنه من غير المعقول أن ننسب إلى الروح القدس سلطان أن يتحدث وأن يقول ما يسمع الفعلان اليونانيان يعنيان فعلين ماديين لا يمكن أن يخصّا إلا كائناً يتمتع بجهاز للسمع وآخر للكلام وبالتالي فإن تطبيق هذين الفعلين على الروح القدس أمر غير ممكن) (ص 128)
واتّخذ د بوكاي من هذا دليلاً على أن الفِعلين يدلان على رجل أو نبي آخر آتٍ.
ولكن بالرجوع إلى قاموس للغة اليونانية نرى أن الفعل (يسمع) يحمل معنى الفهم وقبول العقل لفحوى ما سُمع كما أن العهد الجديد تحدث عن أن الله يسمع جاء في يوحنا 9:31 (وَنَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ لَا يَسْمَعُ لِلْخُطَاةِ وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَتَّقِي اللّهَ وَيَفْعَلُ مَشِيئَتَهُ فَلِهذَا يَسْمَعُ) وجاء في يوحنا 11:41 و42 (فَرَفَعُوا الْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ الْمَيْتُ مَوْضُوعاً، وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ، وَقَالَ: أَيُّهَا الْآبُ، أَشْكُرُكَ لِأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي، وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي) وجاء في لوقا 1:13 (فَقَالَ لَهُ الْمَلَاكُ: لَا تَخَفْ يَا زَكَرِيَّا، لِأَنَّ طِلْبَتَكَ قَدْ سُمِعَتْ، وَامْرَأَتُكَ أَلِيصَابَاتُ سَتَلِدُ لَكَ ابْناً وَتُسَمِّيهِ يُوحَنَّا)
وواضح من هذه الآيات أن الله يسمع وأول آيتين اقتبسناهما أعلاه هما من إنجيل يوحنا، الإنجيل الذي جاء فيه الحديث عن البارقليط.
وهناك آيات كثيرة تقول إن الله يتكلم مثل يوحنا 9:29 وأعمال 7:6 وعبرانيين 1:1 و 5:5 ومرقس 13:11 وأعمال 28:25 وإليك ثلاثة اقتباسات تقول إن الله يتكلم: (نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مُوسَى كَلَّمَهُ اللّهُ) (يوحنا 9:29)
(اَللّهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الْآبَاءَ بِالْأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ) (عبرانيين 1:1)
(حَسَناً كَلَّمَ الرُّوحُ الْقُدُسُ آبَاءَنَا بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ) (أعمال 28:25)
وقد استخدمت ترجمة العهد القديم إلى اليونانية (المعروفة بالسبعينية) الفعلين (سمع وتكلم) عن الله وقد أتمَّ هذه الترجمة علماء دين يهود عام 200 ق م وكمثال لهذا لنقرأ الآيات التالية:
(ثُمَّ قَالَ اللّهُ لِمُوسَى: أَنَا الرَّبُّ وَأَنَا ظَهَرْتُ لِإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بِأَنِّي الْإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) (خروج 6: 2 و3)
(أَصْنَامُهُمْ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ، عَمَلُ أَيْدِي النَّاسِ لَهَا أَفْوَاهٌ وَلَا تَتَكَلَّمُ لَهَا أَعْيُنٌ وَلَا تُبْصِرُ لَهَا آذَانٌ وَلَا تَسْمَعُ لَهَا مَنَاخِرُ وَلَا تَشُمُّ) (مزمور 115: 4 - 6)
(وَيَقُولُونَ: الرَّبُّ لَا يُبْصِرُ، وَإِلهُ يَعْقُوبَ لَا يُلَاحِظُ الْغَارِسُ الْأُذُنَِ أَلَا يَسْمَعُ؟ الصَّانِعُ الْعَيْنَ أَلَا يُبْصِرُ؟) (مزمور 94:7 - 9)
فهذه الآيات تسخر من الأوثان لأنها لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم، بينما الله الواحد الأحد يرى ويسمع ويتكلم وهذا يخالف افتراض د بوكاي أن الروح القدس لا يسمع ولا يتكلم.
وقد ذكر القرآن أن الله يسمع ويتكلم وإليك أربعة أمثلة على ذلك:
(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (سورة غافر 40:60)
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (سورة البقرة 2:30) ولاحظ هنا أن الله الكائن الروحي يكلم الملائكة، وهي كائنات روحية
(قَالَ لاَ تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) (سورة طه 20:46)
(هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) (سورة آل عمران 3:38) ونلاحظ أن فكرة سمع الله لزكريا جاءت أيضاً في الإنجيل كما رواه القديس لوقا 1:13
واضح من هذه الآيات التوراتية والإنجيلية والقرآنية أن فعلي السمع والكلام وردا عن الله الذي هو روح غير منظور، فيكون هجوم د بوكاي على كلام وسمع الروح القدس هجوم على كل الكتب المقدسة.
5. هل علَّمت الكنيسة أن المسيح هو خاتم الأنبياء؟
الإجابة الصريحة لهذا السؤال هي: (لا!)
لقد علَّم الإنجيل أن أنبياء سيأتون بعد المسيح، فقد جاء في أفسس 4:11 (وَهُوَ (المسيح) أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ) ويذكر العهد الجديد رجالاً تلقّوا وحياً من الله بعد صعود المسيح، فبعد أن رأى الرسول بطرس صعود المسيح بخمسٍ وثلاثين سنة تلقَّى من ربه رسالتين (هما رسالتا بطرس الرسول الأولى والثانية) وبعد صعود المسيح للسماء بنحو خمسين أو ستين سنة كتب الرسول يوحنا إنجيله، كما كتب السفر الأخير في العهد الجديد (وهو سفر الرؤيا) نبوةً عمّا سيحدث عند مجيء المسيح ثانية إلى أرضنا ليدين الأحياء والأموات وتنبأ النبي أغابوس عن مجاعة آتية على المسكونة (أعمال 11: 28) كما أن يهوذا وسيلا شجَّعا مستمعيهما باعتبارهما من الأنبياء (أعمال 15 و 32) ونقرأ في سفر الرؤيا 11:1-12 عن نبيَّين يجيئان في المستقبل، يقول الله عنهما: (وسأُعطي لشاهديَّ فيتنبآن 1260 يوماً هذان لهما السلطان أن يغلقا السماء حتى لا تمطر مطراً في أيام نبوتهما (كما فعل إيليا)، ولهما سلطان على المياه أن يحوّلاها إلى دم (كما فعل موسى))
واضح من هذه الآيات أن المسيحيين آمنوا بمجيء أنبياء بعد المسيح، وأن اثنين على الأقل سيجيئان بعد ذلك! فلماذا يحذف المسيحيون الأوَّلون نبوة عن مجيء محمد لو كانت فعلاً في كتابهم؟ إنهم لم يكونوا يعرفون ما سيقوله محمد أو لا يقوله، ولم يكونوا يعلمون العقيدة التي سيدعو لها.
وهكذا نرى أن قول د بوكاي إن الكنيسة غيَّبت النبوة عن محمد هو اتهام بعيد عن الصحة، ولا أساس له.
6. خطأ في ترجمة كلمة (بارقليط)
قال د بوكاي في هامش ص 128
(كثير من ترجمات الأناجيل والتعليقات عليها (يعني كتب التفسير)، والقديمة منها على وجه خاص، تترجم هذه الكلمة (بارقليط) بالمعنى (المعزي) وهذا خطأ تام)
ولسنا ننادي بأن المترجم معصوم، أما القول إن كثيراً من المترجمين والمفسرين في اللغات المختلفة مخطئون، فيعني أن د بوكاي وحده هو المصيب! ولا غرابة، فقد قال وهو يتحدث عن (التناسل الإنساني في القرآن): (فأكثر ما قد يُضل الباحث، هنا أيضاً، هو مشكلة المفردات فالواقع أن ترجمات وتفسيرات (القرآن) بعض الفقرات التي ما زالت منتشرة في عصرنا تعطي لرجال العلم الذين يقرأونها فكرة مغلوطة تماماً عن الآيات الخاصة بهذا الموضوع وسنرى الأسباب التي من أجلها يقع مستعربون بارزون في مثل تلك الأخطاء، لافتقارهم للثقافة العلمية) (ص 226 و227)
فأنت ترى أن د بوكاي يعتبر مترجمي الإنجيل والقرآن مخطئون، كأن الصواب عنده وحده!
فكيف ترجم د بوكاي كلمة (البارقليط)؟ إنه لم يترجمها، بل اكتفى بذكر الكلمة اليونانية!
والحقيقة أن كلمة (بارقليط) تعني الشخص الذي يمكن استدعاؤه لتقديم العون، سواء ليدافع عنك أو ليتبنَّى قضيتك ويجيء المعزي إليك وقت الحزن إنه الشفيع، والمحامي، والناصح، والمشجع، والمعزي ولا توجد كلمة واحدة في العربية أو الإنكليزية أو الفرنسية تحمل كل المعاني التي تحملها كلمة (بارقليط) لذلك نحتاج للرجوع إلى القرينة التي وردت فيها كلمة (بارقليط) لنفهم.
ومن قرينة يوحنا 14:18 ندرك أن البارقليط يجيء لليتيم ليعزّيه ويشد إزره ومن قرينة 1 يوحنا 2:1 (إن أخطأ أحد فلنا بارقليط عند الآب) ندرك أن المعنى المقصود هو أن لنا شفيعاً عند الآب ولقد جاءت كلمة Paraclete خمس مرات في العهد الجديد، ولكن تصريفاً منها وهو كلمة Paraklesis جاء 29 مرة، تُرجم في 20 مرة منها بكلمة (معزي) أما الفعل وهو Parakaleo فمعناه يرجو، وينادي، ويعزي، ويشتهي، ويشجع وقد ورد 107 مرة، تُرجم في 24 مرة منها بكلمة (يعزي) وكنموذج نقرأ في 2 كورنثوس 1:3 و4 (مُبَارَكٌ اللّهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الرَّأْفَةِ وَإِلهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ، الَّذِي يُعَزِّينَا فِي كُلِّ ضِيقَتِنَا، حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نُعَزِّيَ الَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ ضِيقَةٍ بِالتَّعْزِيَةِ الَّتِي نَتَعَزَّى نَحْنُ بِهَا مِنَ اللّهِ)
وفي هاتين الآيتين تجيء (بارقليط) خمس مرات، تتطلب القرينة في كل مرة منها أن نترجمها تعزية، ويعزينا، ونعزّي، ونتعزّى وهكذا يتضح أن تخطئة د بوكاي لترجمة كلمة (بارقليط) بكلمة (معزي) هي تخطئة لا مكان لها من الصواب.
هل اقتبس د بوكاي كل الآيات التي ورد فيها ذكر كلمة (البارقليط) وهل قدَّم كل خلفياتها؟
بعد أن أورد د بوكاي الآيات التي وردت فيها كلمة (البارقليط) من يوحنا 14-16 قال: (ويُلاحَظ أن الفقرات التي لم تُذكر هنا من الأصحاحات 14-16 من إنجيل يوحنا، لا تغير مطلقاً من المعنى العام للفقرات المذكورة) (ص 126)
وليس كل من يقرأ كتاب د بوكاي يملك نسخة من الإنجيل، لذلك سنضع اقتباس د بوكاي في العامود الأيمن، وفي العامود الأيسر نضع النص الإنجيلي، ونترك للقارئ أن يرى الفرق بنفسه:
يو 14:15 و16
15(إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي (المسيح) فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ، 16وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الْآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ)
يو 14:15-18
15(إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي (المسيح) فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ،16وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الْآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الْأَبَدِ،17رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَرَاهُ وَلَا يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لِأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ 18لَا أَتْرُكُكُمْ يَتَامَى إِنِّي آتِي إِلَيْكُمْ)
يو 14:26
26(وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الْآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ)
يو 14:26
26(وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الْآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ)
يو 15:26
26(فَهُوَ يَشْهَدُ لِي)
حتى كلمة (المعزي) حذفها د بوكاي!
يو 15:26 و27
26(وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الْآبِ، رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الْآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي 27وَتَشْهَدُون أَنْتُمْ أَيْضاً لِأَنَّكُمْ مَعِي مِنَ الِابْتِدَاءِ)
يو 16:7 و8
7(إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لَا يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ 8وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ)
يو 16:7-12
7(إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لَا يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ 8وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ 9أَمَّا عَلَى خَطِيَّةٍ فَلِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِي 10وَأَمَّا عَلَى بِرٍّ فَلِأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى أَبِي وَلَا تَرَوْنَنِي أَيْضاً 11وَأَمَّا عَلَى دَيْنُونَةٍ فَلِأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ قَدْ دِينَ 12إِنَّ لِي أُمُوراً كَثِيرَةً أَيْضاً لِأَقُولَ لَكُمْ، وَلكِنْ لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا الْآنَ)
يو 16:13 و14
13(وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لِأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ 14ذَاكَ يُمَجِّدُنِي)
يو 16:13-15
13(وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لِأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ 14ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ 15كُلُّ مَا لِلْآبِ هُوَ لِي لِهذَا قُلْتُ إِنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ).
قال د بوكاي إن الفقرات التي لم يوردها لا تعدّل مطلقاً من المعنى العام، ولكن مقارنة ما لم يورده بما أورده تظهر أن ما لم يورده يُدخِل تعديلاً كبيراً في المعنى العام.
وقال د بوكاي إن عدم وجود كلمة (القدُس) وصفاً للروح القدس في مخطوطة تجهَّزت بعد المخطوطة الأصلية بثلاث مئة سنة يعني أن الاسم (الروح القدس) أُضيف في تاريخ متأخر، فقال (في ص 101):
(وسندرك أن كلمة واحدة في إنجيل يوحنا خاصة بال Paraclet تُغيّر جذرياً معنى الفقرة، وتغيّر دلالتها رأساً على عقب من وجهة النظر اللاهوتية)
ولكن عندما نقرأ الآيات التي لم يوردها د بوكاي نكتشف خطأ حكمه، فعقيدة الروح القدس المعزي لا تعتمد على ما جاء في يوحنا 14:26 فقط، لأن تسمية (البارقليط) (روح الحق) ورد ثلاث مرات في ثلاث آيات لم يوردها د بوكاي، هي يوحنا 14:17 و15:26 و 16:13 وهذا يعني أن وصف البارقليط بأنه روح ورد أربع مرات في حديث المسيح لقد اقتبس د بوكاي يوحنا 14:16 هكذا (وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الْآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ) ولم يكمل الآية التي تمضي فتقول (لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الْأَبَدِ) وحذف أيضاً من يوحنا 14:17 (لِأَنَّهُ لَا يَرَاهُ (العالم لا يرى البارقليط) وَلَا يَعْرِفُهُ) وفي الآية نفسها يقول المسيح لتلاميذه عن البارقليط (لِأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ) فقد كان البارقليط ماكثاً مع بطرس ويعقوب ويوحنا ومتّى وسائر التلاميذ، وسيظل يمكث معهم إلى الأبد.
ومما حذفه د بوكاي يوحنا 15:27 حيث يقول المسيح لتلاميذه إنهم يشهدون له، كما يشهد له البارقليط (من الابتداء).
ولم يورد د بوكاي يوحنا 16:9 حيث يقول المسيح إن البارقليط سيبكت العالم على خطية (لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِي).
وكان يجب على د بوكاي أن يورد آيات أخرى وردت في إنجيل يوحنا عن الروح القدس، وهي كالآتي:
يوحنا 1:33 وتقول إن المسيح سيعمِّد بالروح القدس.
يوحنا 7:39 وتتحدث عن الروح القدس الذي كان المؤمنون بالمسيح مزمعين أن يقبلوه.
وكان يجب عليه أيضاً أن يورد قول المسيح لتلاميذه: (وَفِيمَا هُوَ مُجْتَمِعٌ مَعَهُمْ أَوْصَاهُمْ أَنْ لَا يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ، بَلْ يَنْتَظِرُوا (مَوْعِدَ الْآبِ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنِّي) لِأَنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ) (أعمال 1:4 و5)
واضح من هذه الآيات أن البارقليط، الروح القدس، روح الحق، سيكون في التلاميذ الأحد عشر في ذات الوقت، وكان عليهم أن يبقوا في أورشليم إلى أن يحل عليهم أثناء حياتهم، ثم يمنحهم القوة أينما كرزوا بالمسيح، سواء تمت الكرازة بتوما في الهند أو ببطرس في روما.
الروح القدس كائن روحي
الكائن الذي يكون في التلاميذ الأحد عشر وفي كل مؤمن بالمسيح في الوقت نفسه، هو كائن روحي، ولا يمكن أن يكون موسى الذي جاء قبل هذا الوعد، ولا أن يكون بطرس الذي سمع الوعد، كما أنه لا يمكن أن يكون محمداً.
هل كان محمد مع بطرس وهو يعظ في أورشليم؟ وهل كان مع أيٍ من التلاميذ ليذكّره بكل ما قاله المسيح؟ وهل يمكن أن يُقال عن محمد إن المسيح هو الذي أرسله، أو إن العالم لا يراه، أو إنه يمكث مع التلاميذ إلى الأبد؟
الإجابة إذاً: لا!
ولكن هذا لا يُنقِص من قيمة محمد ولا من نجاحه كنذير ولكن واضح أن د بوكاي تعمَّد أن يتغافل القرينة، ويحذف بعض الآيات ليساند المعنى الذي أراده! وبذلك جعلنا نشكّ في أمانته العلمية، ولم يبرهن لنا أن البارقليط هو محمد.
ثالثاً: نبوَّات تنبأ بها محمد
رأينا أن الله أيَّد نبوة النبيَّين إيليا وإرميا بتحقيق ما تنبآ به من أحداث قادمة كما أنزل الله ناراً من السماء استجابةً لطلب إيليا فهل تنبأ محمد بأمور قادمة تحققت، ليكون تحقيقها برهاناً على صدق إرساليته؟
1. قال بعض علماء الإسلام إن ما جاء في سورة القمر 54:45 نبوة عن الانتصار في موقعة بدر، إذ يقول (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) ولكن لو درسنا القرينة من آيات 43-48 لوجدنا أن الحديث في هذه الآية هو عن يوم الدّين، فيقول (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ (المصريين الذين هلكوا) أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ)
2. ذكرت سورة الأنفال 8:43 حُلماً (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ (يا محمد) قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) وقد نزلت هذه الآية بعد موقعة بدر عن حلمٍ رآه محمد قبل الموقعة ولكننا نرى في هذه الآية مشاكل، فهي لا تقول إن الحلم أعلن خبر النصر القادم، ولكنها تقول إن الله جعل المسلمين يرون الأعداء الكثيرين عدداً قليلاً، وهذا (في رأيي) خدعة لجنود المسلمين، بهدف أن يخوضوا المعركة بشجاعة! فكيف للإله الحق القادر على كل شيء أن يخبر جيشه بغير الحق لينزع الخوف من صدورهم وهذا يشبه ما نقرأه في سورة مريم 26 عندما يأمر الله مريم أن تقول إنها نذرت لله صوماً، رغم أنها كانت تأكل التمر وتشرب الماء! ويقول المفسرون إنها أُمِرت أن تصوم عن الكلام وفي سورة سبإ 12-14 يخدع الله الجن ليخدموا سليمان بعد موته، ظناً منهم أنه حي وفي سورة النساء 157 لم يُصلب المسيح، لكن الله خدع الحواريين واليهود، فشُبّه لهم أن المسيح هو الذي صُلب، وما هو الذي صُلب!
لماذا لا يُقال إن ما رآه محمد في منامه كان تفكيراً بالتمني؟
3. ونقرأ عن حلم آخر في سورة الفتح 48:27 (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا)
أخبر محمد رجاله عن رؤيا رآها قبل أن يبدأوا رحلتهم إلى مكة، أنهم سيؤدون فريضة الحج، فأوقفهم المكيون عند الحديبية ولم يسمحوا لهم بأداء الحج، واكتفى المسلمون بكتابة عهد أنهم سيؤدونها مستقبَلاً ويقول الحديث إن أمل المسلمين خاب لأن الرؤيا لم تتحقق، فنزلت هذه الآية لتعلن أن تحقيق الرؤيا قادم عن قريب.
وعلى القارئ أن يحدد حكمه على هذه الرؤيا، لأن القرآن لا يذكر نصَّها ولكن كيف جاء القول (إن شاء الله) وسط كلمات نبوية من فم الله نفسه؟ وإن كان قد صدق رسوله الرؤيا (لتدخُلن) فلماذا يقول (إن شاء الله) إنه الله الذي يعلم ما يشاء، ويفعل ما يشاء!
4. وهناك نبوَّة تحققت، نجدها في سورة الروم 30:1-4 (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) ويقول علماء المسلمين إن هذه الآيات نزلت عام 615 أو 616م عندما كان الفُرس يهددون بالاستيلاء على القسطنطينية وبعد ثماني سنوات تغيرت الأمور وكان الروم يدخلون فارس.
ودورة الايام وانهزام المنتصر أمام المهزوم ليس غريباً وعليه فيمكن أن تصدق هذه النبوة بالفراسة وحدها، ولتحقيقها فرصة من أربع أو خمس فرص.
وتعزو بعض الأحاديث والروايات الإسلامية الشفاهية نبوات لمحمد تحققت، ولكننا اكتفينا بما يقولون إنه جاء بالقرآن.
5. إعجاز الأرقام في القرآن
جرت محاولات حديثة لإثبات الإعجاز القرآني في الأرقام وقد حاول الدكتور رشاد خليفة أن يجيئنا بشاهدٍ ثانٍ، وذلك في كتابه(معجزات أظهرها الكمبيوتر في القرآن الكريم) (1) وقد أوضح في مقدمة كتابه مدى الحاجة لشاهد ثان، فقال:
(أرسل العلي القدير عبر العصور رسلاً، الواحد بعد الآخر، أرشدوا البشر وقدموا الكتب، ساندتهم المعجزات الإلهية لتبرهن أنهم من عند الله، فتوجَّه موسى إلى فرعون تؤيده معجزة تحويل العصا حيةً، وتأيد المسيح بمعجزات إقامة الموتى وإبراء الأكمه)
ثم قال إن هذه المعجزات محدودة بالزمن والمكان، لم يشهدها إلا معاصروها وقال إنه وجد نوعاً آخر من المعجزة تُصدّق على القرآن اليوم، من الأرقام، لم يكن ممكناً أدراكها إلا بالكمبيوتر، وقال:
(المفتاح لمعجزة محمد الدائمة موجود في أول آيات القرآن الكريم (بسم الله الرحمن الرحيم) فعدد حروفها 19 حرفاً وهذه حقيقة ملموسة وقد وردت كل كلمة من هذه في القرآن في عددٍ يقبل القسمة على 19 فالكلمة الأولى (اسم) وردت 19 مرة وكلمة (الله) وردت 2698 مرة (19 في 142) وكلمة (الرحمن) وردت 57 مرة (19 في 3) وكلمة (الرحيم) وردت 114 مرة (19 في 6)
ثم مضى في مقدمة كتابه يقول (وهذه الدراسة الكمبيوترية ليست تخميناً ولا من تفسير بشري ولا ظنوناً) (2)
ونود أن نسأل: ألم يكن ممكناً أن تُكتَب آية القرآن الأولى (باسم (بدلاً من بسم) اللّه الرحمان (بدلاً من الرحمن) الرحيم) فيكون عدد حروفها 21 حرفاً، لا 19 حرفاً فإذا اعتبرنا الحرف المشدد (اللام في اللّه) حرفين تغيَّر الرقم مرة أخرى!
ثم أننا نجد أن كلمة (بسم) وردت في القرآن ثلاث مرات فقط، في سورة الفاتحة 1 وسورة هود 41 وسورة النمل 30 أما كلمة (اسم) دون إضافتها إلى ضمائر فقد جاءت 19 مرة، وكلمة (اسمه) جاءت خمس مرات وواضح أن 3195> 27 وهو رقم لا يقبل القسمة على 19! ولا يفسر لنا د خليفة لماذا أغفل المرات الثلاث التي جاءت فيها كلمة (بسم) ولماذا أحصى كلمة (اسم) وترك كلمة (اسمه) ولماذا أغفل كلمة (أسماء) التي جاءت 12 مرة، ومنها (ولله الأسماء الحسنى) (سورة الأعراف 180)
أما في إحصاء اسم الجلالة (الله) فقد أحصى د خليفة (3) كلمة (لِلّه) ليصل إلى العدد 2698 فإن كان قد أحصى (لله) (ليكون المجموع قابلاً للقسمة على 19) وجب أن يحصي (بسم) وفي هذه الحالة لا يقبل المجموع القسمة على 19!
وقد صدَق د خليفة في إحصاء كلمة (الرحمن) فهي 19 في 3
أما كلمة (الرحيم) التي قال إنها ظهرت 114 مرة فقد ظهرت 34 مرة، و(رحيم) (بدون ال التعريف) 81 مرة، ومرة واحدة بصيغة الجمع فالمجموع 116 مرة، وهو رقم لا يقبل القسمة على 19
لقد قرر د خليفة ألّا يحصي اللام المشددة في اسم الجلالة (اللّه).
وقرر أن يغفل من إحصاءاته (بسم) مع أنه أحصى (لِلّه).
وقرر ألّا يحصي كلمة (اسمه).
وقرر ألّا يحصي صيغة الجمع لكلمتي اسم والرحيم.
وجاء إحصاؤه لكلمة (الرحيم) خاطئاً.
وهكذا لم يبرهن وجود شاهدٍ ثانٍ، وجاء تفكيره مشوَّشاً وربما استطاع مستقبَلاً أن يوضح بطريقة مقنعة كيف وصل للإعجاز القرآني عن طريق الأرقام وإلى أن يفعل سنظل ننتظر!
وفي الختام
لقد فحصنا كل البراهين القرآنية التي وجدناها عن المعجزات والنبوَّة، وعلى كل قارئ أن يقيّم لنفسه ما وصل إليه هل وجد شاهداً ثانياً؟
وسنتأمل في الفصل القادم بعض نبوات التوراة عن المسيح، لنرى إن كان هناك شاهد ثانٍ يشهد لصحة إرسالية المسيح.